سورة التغابن - تفسير تفسير أبي السعود

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (التغابن)


        


{وَأَطِيعُواْ الله وَأَطِيعُواْ الرسول} كررَ الأمرَ للتأكيدِ والإيذانِ بالفرقِ بينَ الطاعتين في الكيفيةِ وتوضيحِ موردِ التولِّي في قولِهِ تعالَى: {فَإِن تَوَلَّيْتُمْ} أي عن إطاعةِ الرسولِ، وقولُهُ تعالَى: {فَإِنَّمَا على رَسُولِنَا البلاغ المبين} تعليلٌ للجوابِ المحذوفِ أي فلا بأسَ عليهِ إذْ ما عليهِ إلا التبليغُ المبينُ وقد فعلَ ذلكَ بما لا مزيدَ عليهِ، وإظهارُ الرسولِ مضافاً إلى نونِ العظمةِ في مقامِ إضمارِهِ لتشريفِهِ عليهِ الصلاةُ والسلامُ والإشعارُ بمدارِ الحكمِ الذي هوَ كونُ وظيفتِهِ عليهِ الصلاةُ والسلامُ محضَ البلاغِ ولزيادةِ تشنيعِ التولِّي عنْهُ {الله لاَ إله إِلاَّ هُوَ} جملةٌ من مبتدأٍ وخبرٍ أي هو المستحقُّ للمعبوديةِ لا غيرُهُ، وفي إضمارِ خبرِ لا مثل في الوجودِ أو يصح أن يوجدَ خلافٌ للنجاةِ معروفٌ {وَعَلَى الله} أي عليهِ تعالى خاصَّة دونَ غيرِهِ لا استقلالاً ولا اشتراكاً {فَلْيَتَوَكَّلِ المؤمنون} وإظهارُ الجلالةِ في موقعِ الإضمارِ للإشعارِ بعلةِ التوكلِ والأمرِ بهِ فإن الألوهيةَ مقتضيةٌ للتبتلِ إليهِ تعالى بالكليةِ وقطعِ التعلقِ عما سواهُ بالمرةِ.
{ياأيها الذين ءامَنُواْ إِنَّ مِنْ أزواجكم وأولادكم عَدُوّاً لَّكُمْ} يشغلونَكُم عن طاعةِ الله تعالَى أو يخاصمونَكُم في أمورِ الدينِ أو الدُّنيا {فاحذروهم} الضميرُ للعدوِّ فإنَّه يطلقُ على الجمعِ نحو قولِهِ تعالَى: {فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِى} أو للأزواجِ والأولادِ جميعاً فالمأمورُ بهِ على الأولِ الحذرُ عن الكلِّ وعلى الثاني إما الحذرُ عن البعضِ لأنَّ منهم من ليسَ بعدوَ وإما الحذرُ عن مجموعِ الفريقينِ لاشتمالِهِم على العدوِّ {وَأَن تَعْفُواْ} عن ذنوبِهِم القابلةِ للعفوِ بأن تكونَ متعلقةً بأمورِ الدُّنيا أو بأمورِ الدينِ لكن مقارنةٌ للتوبةِ {وَتَصْفَحُواْ} بتركِ التثريبِ والتعييرِ {وَتَغْفِرُواْ} بإخفائِهَا وتمهيدِ عُذرِهَا {فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ} يعاملكُم بمثلِ ما عملتُم ويتفضلُ عليكُم. وقيلَ إنَّ ناساً من المؤمنينَ أرادُوا الهجرةَ عن مكَة فثبطهُم أزواجُهُم وأولادُهُم وقالوا تنطلقونَ وتضيعونَنَا فرقُّوا لهُم ووقفُوا فلما هاجَرُوا بعد ذلكَ ورأَوا المهاجرينَ الأولينَ قد فقهُوا في الدينِ أرادُوا أن يعاقبُوا أزواجَهُم وأولادَهُم فزُينَ لهم العفوُ، وقيلَ قالُوا لهُم أينَ تذهبونَ وتدعُونَ بلدكُم وعشيرتَكُم وأموالَكُم فغضبُوا عليهِم وقالُوا لئِن جمعنَا الله في دارِ الهجرةِ لم نُصِبكم بخيرٍ فلما هاجرُوا منعُوهُم الخبرَ فحَثُّوا على أنْ يعفُوا عنهُم ويردُّوا إليهِمْ البرَّ والصلةَ.


{إِنَّمَا أموالكم وأولادكم فِتْنَةٌ} بلاءٌ ومحنةٌ يوقعونَكُم في الإثمِ من حيثُ لا تحتسبون {والله عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} لمن آثَرَ محبةَ الله تعالَى وطاعَتَهُ على محبةِ الأموالِ والأولادِ والسعيِ في تدبيرِ مصالحِهِم {فاتقوا الله مَا استطعتم} أي ابذلُوا في تقواهُ جهدَكُم وطاقَتَكُم {واسمعوا} مواعظَهُ {وَأَطِيعُواْ} أوامرَهُ {وَأَنْفِقُواْ} مما رزقكُم في الوجوهِ التي أمركُم بالإنفاقِ فيها خالصاً لوجهِهِ {خَيْراً لأَنفُسِكُمْ} أي ائتُوا خيراً لأنفسِكُم وافعلُوا ما هو خيرٌ لها وأنفعُ وهو تأكيدٌ للحثِّ على امتثالِ هذهِ الأوامرِ وبيانٌ لكونِ الأمورِ المذكورةِ خيراً لأنفسِهِم، ويجوزُ أن يكونَ صفةً لمصدرٍ محذوفٍ أو إنفاقاً خيراً أو خبراً لكانَ مقدراً جواباً للأوامرِ أي يَكُنْ خيراً لأنفسِكُم {وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ المفلحون} الفائزونَ بكلِ مرامٍ.
{إِن تُقْرِضُواْ الله} بصرفِ أموالِكُم إلى المصارفِ التي عينها {قَرْضًا حَسَنًا} مقروناً بالإخلاصِ وطيبِ النفسِ {يضاعفه لَكُمْ} بالواحدِ عشرةً إلى سبعمائةٍ وأكثرَ. وقرئ: {يُضعّفهُ لكُم} {وَيَغْفِرْ لَكُمْ} ببركةِ الإنفاقِ ما فرطَ منكُم من بعضِ الذنوبِ {والله شَكُورٌ} يَعطى الجزيلَ بمقابلةِ النزرِ القليلِ {حَلِيمٌ} لا يعاجلُ بالعقوبةِ مع كثرةِ ذنوبِكُم {عالم الغيب والشهادة} لا يَخفى عليهِ خافيةٌ {العزيز الحكيم} المبالغُ في القدرةِ والحكمةِ.
عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «منْ قرأَ سورةَ التغابنِ دُفِعَ عنهُ موتُ الفجأةِ».

1 | 2